كتاب قبول الآخر في نقاط





تمهيد :
أخترت هذا الكتاب لشعوري بحاجتنا كأمة و كمجتمع لفهم معنى قبول الآخر فهي السبيل الوحيد للإرتقاء بالعلاقات و انا على رأسهم ..
لست أدعي المثالية ولا أطالب المجتمع بالمثالية التي أعتقد أنها بعيدة المنال ولكني مؤمن بأن قبول بعضنا البعض مهما تعددت أفكارنا وأختلفت معتقداتنا لها من الإيجابيات ما لا يمكن حصره في كلمات مدونة ولا صفحات كتب ..

عن المؤلف:

هو الدكتور ميلاد حنا -  كاتب ومفكر سياسي مصري الجنسية كان من ضمن المشاهير الذين تم إعتقالهم في فترة الرئيس أنور السادات قبيل إغتياله ، توفى سنة 2012 عن عمر يناهز الـ88 عام .
له عدة مؤلفات أهمها:

  • خصوصية مصر
  • صراع الحضارات والبديل الإنساني
  • الأعمدة السبعة للشخصية المصرية 
  • أزمة الأقليات في الوطن العربي


قبول الآخر - فكر وإقتناع و ممارسة 


إن تباين ألوان الأزهار وأنواع النباتات و كذا دنيا الأسماك و الحيوانات والحشرات هو مشابهٌ تماماً لتنوع الجنس / الصحة و التنوع الإقتصادي و الديني عند البشر ..

يولد  المرء منا دون رغبة أو وعي أو إرادة من ذاته ..
لذا ليس لنا أي فضل في إيجابية شيء دون الآخر و الإحساس بالزهو و الإحباط هو أمرٌ مكتسب ..

في إطار كل دين توجد مذاهب و فرق عدة وغالباً ما تكون هناك كراهية بين مذاهب الدين الواحد تتفوق و تزيد تجاه أديان أخرى ..

ليس للإنسان فضلٌ في كونه مولوداً في مجتمع متقدم ويحمل جنسية دولة عظمى وآخر ولد في معسكر لاجئين فبات من دون جنسية ..

يشارك المجتمع في صياغة الرؤية بمجرد نمو الوعي فنغرق بين الإنتماءات الموروثة والمكتسبة من خلال التعليم / الأسرة / الإعلام و الخبرة ..

لأن الإنسان كائن مجتمعي (أي يعيش في جماعات) فتتراكم لديه إنتماءات كثيرة ما بين موروثة ومكتسبة لذا وجب تعريف كل منها على حدى:
فالإنتماء الموروث: أسرة - قبيلة - دين - مذهب - وطن
أما الإنتماء المكتسب: سياسي - رياضي - إجتماعي - مهني

كلما زادت إهتمامات الإنسان كلما زادت إنتماءاته و كان بطبيعة الحال متفهماً للآخرين والعكس بالعكس ..
وكلما ركز الإنسان على إنتماء واحد فإن توجهه الفكري و الوجداني يصبح بالتبعية إحادياً فيدفعه ذلك أن يكون متعصباً يكره الآخرين ولا يقبلهم ..

ثقافة السلام لا تنتعش إلا بالتنوع وإنتشار قيم المجتمع المدني الذي يفتح آفاقاً لنشاطات إجتماعية و ترقية الفنون والتواصل القوي ..

إن الإعتراف بخصوصية الثقافة للشعوب والجماعات لابد أن يولد رغبة حقيقية للتعرف على غيرها من خلال حوار الحضارات بدلاً من الإصطدام ..
فالإنتماءات لا تُفرض و لا تنزع بقرار فوقي ، لأنها تجسيد لوجدان وشاعر عامة لدى الشعوب تتراكم في سنين وربما قرون ..

دائماً ما تتبلور الرؤى ومناهج الفكر في شكل إختلاف بين البشر كأفراد يتحول إلى خلاف بين المجموعات البشرية من معتقد الصحة أو الأصح ..

ليس من حق المجتمع التدخل في أمر ثقافة كراهية الآخر ، فهذا نوع من أسلحة الدمار النفسي للشعوب فمتى ننضج لطرح مثل هكذا قضايا ؟؟

هنالك من يدعو المجتمعات بالتماسك الداخلي عبر بث كراهية الآخر بدعوى أن الآخر هو سبب الضعف والتخلف الإقتصادي والإجتماعي ..

إن البداية الحقيقية للسلام هي بقبول الآخر بسلبياته و إيجابياته ، فإذا سادت الفكرة البسيطة و أصبحت ثقافة يعتنقها المجتمع أنتقلنا لمرحلة فهم الآخر ..

ثقافة قبول الآخر لا تعيش التحرر والمساواة وحقوق الإنسان بل هي دعوة ذهنية لتكافؤ الفرص تحصين البشرية من أمراض الصراعات العرقية والدينية ..

دعوة قبول الآخر ترتفع أهميتها بين الأنداد المتكافئين لأن في ذلك مصحلة مشتركة لهم وللبشرية ..

ثقافة قبول الآخر مرت سابقاً بنوعين من الصراعات، أولها كان صراع الطبقات ثم صراع الثقافات والأخير هو المحرك السياسي لمجمل سياسات الدول الكبرى ..

ممارسة ثقافة قبول الآخر تبدأ بالفرد نفسه حتى يجد نفسه قابلاً للآخر وبالتالي سيجد نفسه مقبولاً من الآخرين ..

إن الصراعات الثقافية والعرقية والقبلية و المذهبية والدينية لا ينتج عنها سوى تخلف زمني عن ركب التقدم العالمي ..

الإنتماء الثقافي يتوقف فاعليته على الزمان والمكان وعلى المستوى الإجتماعي والوعي الفكري في المجتمع الصغير والكبير ..

يتبلور الوجدان الثقافي وفق مدارك الإنسان ومراحل نموه وظروف نشأته وينتج عن ذلك ردود فعل تجاه الحياة والناس لا حصر لها ..

إن من القيم المستقرة في الدول العظمى حالياً أن المشاعر الدينية الجماعية لا تؤدي إلى ثورات أو حروب لأنها تعمّق فكرة المواطنة كبديل ..


إن العقبة التي تواجه الإنتماء الديني هو الإحساس بالتميز والتفاخر أي أنه أفضل من الآخر .. وعليه سيجد أتباع أي دين أو مذهب مفاهيم تأخذ شكل نصوص مقدسة تؤكد التمايز والإحساس بالزهو ومع تراكمها تتحول لتعصب حتى تأخذ مساراً عنيفاً ..

من منا أختار ديانته أو إنتمائه و في أي مرحلة عمرية .؟؟

مسيرة الحياة في سن التكوين تنطبع بالتلقين والمسلمات لا بالفحص والتمحيص ..

فالصراعات الغير دينية تذوب مع الرقي والثورة المعلوماتية وتبدأ بلقاء الآخر ثم قبوله فـ وفاق وتعاون باحثة عن إنتماء أقوى ..

يعتقد الأصوليون أن الإنتماء الديني يسبق الوطني وهذا الإعتقاد قد خلف حروباً ضارية كحرب يوغوسلافيا بين الكاثوليك والبروستنت مثلاً ..

إن غياب ثقافة قبول الآخر نشأت عن حروب لبنان و الصومال والسودان وكشمير وبورما و الأكراد ما بين العراق وتركياً ..
واليوم نشهد حروباً مماثلة لها بسبب غياب تلك الثقافة ..

إن ثقافة قبول الآخر وتعزيز الإنتماء الوطني هو من أنقذ المسلمين و المسيحيين من الإستعمار الإنجليزي في مصر ومن بعده الإحتلال الإسرائيلي ..

أخيراً
نحن مجتمع مصاب بداء عدم قبول الآخر
ذلك المرض العضال الذي يسري في جسد كل الأطراف المتصارعة ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق